أتذكر يوم كانت عاليا مازالت لم تبلغ أسبوعين من العمر وكانت أمي معي في لندن لتعينني في فترة حملي وولادتي وعندما شممت رائحة كريهة من عاليا طلبت من زوجي أن يأتي لتغيير حفاضتها وحينها هرعت أمي إلىّ وحملت عاليا وقالت أنا سأقوم بذلك (عيب يا بنتي ) أوقفتها وقلت لها أنت ستعينيني الأن ولكن بعد سفرك من سيعينني؟ أرجوك ياأمي دعيه يتدرب ويتعلم من الآن.
مر الموقف حينها عابراً علىّ وكنت أعتقد أنني (زوجة شريرة تريد الإستعداد لمستقبل في الغربة على حساب زوجها) وكنت أكبت شعوري أحياناً بتأنيب الضمير حينما أحضر زجاجة اللبن التي تشربها عاليا في الحادية عشر مساء إلى زوجي حتى يرضعها هو ويقضي معها بعض الوقت حتى أنال قسطاً من النوم.
ومع الوقت وجدت أن زوجي بدأ يستمتع بهذا الوقت بل وينتظره فهو يستمتع بمشاهدة ابنته وهي تشرب زجاجة اللبن باستمتاع وبعدها تكون في حالة من المرح والاسترخاء وكانا يتناجيان في هذه الفترة ويلاعبها وأدركت أن الأمر تعدى مجرد تقديم المساعدة ليّ إلى توطيد العلاقة بينهما.
استوقفني الشعور الذي كان ينتابني وأيضاً ردة فعل أمي وبدأت أقارن بين ثقافتنا في مجتمعاتنا العربية من التعامل مع الأب كأنه وجد حتى يوفر المال والألعاب وفقط وننتظر أن يكبر الطفل وننتظر حينها أن تتوطد العلاقة بينه وبين الطفل ونادراً ما يحدث ذلك وبين الثقافة في المجتمعات الغربية من التعامل مع الأب على أنه شريك في العملية التربوية من لحظة الولادة بل ربما من قبلها وأن هذا يساعد على توطيد العلاقة بين الطفل والأب وأن يعتاد الأب دوره الجديد بل وهذه المشاركات تعين الأب على عدم شعور أنه أُهمل بعد وجدود الطفل فبمعاونته للأم تجد الأم فرصة لإعادة شحن طاقتها والتغلب على المشاعر السلبية التي تتسبب فيها الهرمونالت الخاصة بالحمل والولادة ومن ثم الإقبال على دورها كأم وزوجة بشكل أفضل.
والأن أجد الكثير من الأمهات يعانين ويشتكين من أن أزوجاهن غير منغمسين في رحلة التعليم المنزلي أو تربية الأطفال بشكل عام ولكن أعتقد هناك بعض الأشياء إذا انتبهت لها المرأة من لحظة اختيار الزوج تشكل فارقاً كبيراً في الحياة الزوجية وفي صحة المرأة النفسية خلال الحمل وبعد الولادة.
- عند الإختيار:
عاليا وشعورها بالسكينة عنم استماعها لصوت أبيها |
عند اختيار الزوج أو الإقبال على الزواج على المرأة التعرف على ماهو مفهوم الأبوة لدى زوج المستقبل هذا، أسأليه عن تخيله لدوره وعن علاقته بأبيه وعن ما أحب كثيراً من المماراسات أو المشاركات التي كان يقوم بها مع أبيه وأيضاً الأشياء التي كان لايفضلها في تربيته هو وفي علاقته مع أبيه.
لاحظيه جيدا في منزله وكيف يتعامل مع أبيه ومع أمه ومع إخوته الأصغر منه كل هذا سيعطيك مؤشرات جيدة لطريقة تفكيره ومفهومه عن دور الأبوة الذي سيقوم به فيما بعد.
- عند الحمل:
دور الأب هام جداً عند الحمل فالأم عليها الإعتناء بنفسها وصحتها وعليه مساعدة الأم في توفير طعام صحي ومساعدتها على الرياضة من خلال استقطاع وقت اسبوعياً للتمشية سوياً حتى يساعد ذلك أم المستقبل أن تتخلص من المشاعر السلبية التي تراكمها الهرمونات عليها من خلال التواجد في الطبيعة واستنشقاء هواء نقي.
أضيف إلى ذلك أهمية تخصيص وقت أسبوعي لكي يتحدث الأب إلى طفلك وهو في رحمك لأن حاسة السمع لدى الطفل تبدأ في العمل عند اتمامه الشهر الرابع في رحمك ولذلك إذا تعود على الإستماع إلى صوت أبيه وهو في المحيط الآمن داخل رحمك سيشعر بالسكينة عندما يحمله الأب أول مرة فالطفل قد اعتاد نبرة صوت أبيه كما اعتاد الإستماع إلى أمه قبل حتى أن يدخل عالمنا.
عندما بدأنا أنا وزجي بتخصيص وقت لهذا كنا نشعر بالتفاهة سوياً ولكن مع الوقت إعتادنا بل واستمتعنا بهذا الوقت جداً وكان زوجي يمازح عاليا وكنت أشعر بها تركل عندما تسمع صوته وكأنها تريد إعلامه بفرحتها بإهتمامه.
- عند الولادة:
هنا في بريطانيا يسمح لك عند الولادة بتواجد شخصين معك عند الولادة ولأنهم يشجعون الولادة الطبيعية جداً وجدت أنه كانت تجربة جيدة أن يكون زوجي معي حين الولادة وبذلك رأى زوجي ما عانيته ومر بمشاعر لم يكن يتسنى له أن يمر بها إذا لم يكن معي حينها. لذلك أنصح أن يكون زوجك معك وأن تقومي بإعداده بشكل مسبق بأنك ستحتاجين منه أن يكون لك المرفأ حينها فهذا الأمر صعب ولكن بالتدريب سيعرف ما هو المطلوب منه فقد تدربت أنا وزوجي على تمارين مساج الظهر شهور قبل الولادة حتى عندما بدأت آلام الولادة تشتد علىّ ولم أستطع حتى التحدث كنت أنظر إليه وكان يأتي لنجدتي فوراً بما أريده.
- بعد الولادة:
وجود الأب في كل مراحل العناية بالطفل أمر هام جدا وذلك حتى يتعلم كيف يعتني بالطفل إذا لا قدر الله لم تتعافي من الولادة بسرعة أو إذا مرضت بعد الولادة بالإضافة إلى أن المشاركات البسيطة مثل تغيير الحفاضة إلى إطعام الطفل إذا كان طعامه صناعيا أو بأن تقومي بشفط اللبن بواسطة آلة لشفط اللبن وتخصيص وقت معين لرضاعة الطفل يقوم فيها الأب بإطعام طفلك حينها تساعد الأب على الشعور بأنه له دور بشكل يومي ومستمر في حياة الطفل.
حمل الطفل خلال اليوم وخلال أوقات شبع وراحة الطفل من خلال حاملة الأطفال تساعد كثيراٍ على خلق علاقة وطيدة بين الأب والطفل من البداية ويكونا هما الأثنان يقضيان وقتاً ممتعاً وهما يشعران بالراحة.
التحدث في غير وجدود الأطفال عن وسيلة التربية المتبعة بشكل مسبق أمر هام جدا ومحاولة توحيد أسلوبكما في التعامل مع السلوكيات الصعبة وغير الرغوبة فيها من الأطفال وهذا الأمر يأخذ وقتاً لأن أحياناً الأب يقتنع مثلاً بأسلوب التربية الإيجابية لكنه يجد التطبيق صعب ويتعامل بحدة أو حزم أكثر منك وهذا طبيعي بسبب طريقة التربية التي تلاقاها وهو صغير فعليها عامل كبير كما ذكرنا مسبقاً.
دور الأب هام مع الأطفال بشكل عام هام ولكن مع الأولاد تحديداً فله أهمية قصوى فهو يقدم النموذج الحي للابن |
أضيف أيضاً أن احترام رأي الأب عند اللحظات الحرجة أمر هام ولكن يجب التحدث في أسلوب التربية التي ترغبان في استخدامها مع أطفالكما وتقييمها كل فترة وتذكير الأب بشكل ودي ومليء بالإحترام بأهمية دوره وأنه نموذج لطفله فإذا أراد للطفل أن يتمتع بالسواء فعليه مراعاة أن يقدم للطفل الإعتذار إذا أخطأ والتعامل معه بالرحمة دائماً حتى في لحظات الحزم.
- تخصيص وقت أسبوعيا لقضاء الطفل مع أبيه :
أحياناً كأمهات نكون نحن العقبة في طريق توطيد العلاقة بين أطفالنا وأزواجنا لأننا في تربيتنا لأطفالنا أصبحنا ماهرات ببعض الأشياء لا يستطيع الأب القيام بها لعدم وجود فرص كثيرة لتدربه عليها أو بسبب إختلاف طريقة تفكير أو خلقة الرجل في التعامل مع أمور أنت خلقت للتعامل معها بشكل أفضل. أذكر أنني كنت أشعر بالضيق الشديد عندما كان يأتي زوجي من نزهة مع عاليا وهي جوعانة أو حفاضتها لم تتغير لمدة وتسببت في التهابات لديها وكنت أحياناً كثيرة أفكر في نفسي (أنا على التعامل مع مشكلات ما بعد النزهة سأذهب معهما المرة القادمة حتى أتفادى كل ذلك التعب) ولكن مع الهدوء والتفكير أجد أنه ما زال يتعلم وفعلاً الآن أصبح ماهراً في العناية بأطفالنا دون تدخل أو مساعدة مني تماماً كل ما أراده هو فرصة للتعلم وعدم تأنيب كل مرة إذا أخطأ فقط.
في رحلة التعليم المنزلي:
زوجي مع أطفالنا في مسيرة لتأييد فك الحصار عن غزة |
قد يكون للأب دور فعال في التعليم المنزلي خاصة إذا كان مقتنع بالفكرة إما بتوليه بعض المواد أو بقيامه بالنقاش في اهتماماته مع الأطفال على سبيل المثال زوجي يحب التاريخ جدا ويتولى جانب سرد جوانب معينة من التاريخ والخروج مع أطفالنا في رحلات استكشافية وللمتاحف وعرض الأحداث التاريخية الهامة لهما. قد تكون اضافة الأب مجرد تقديم وقت ممتع به لعب بعيداً عن أنشطة التعليم المنزلي وعان الجوانب الأكاديمية وقد يكون تخصيص وقت لتعليم الأطفال مهارات الحياة من خلال أخذهم للتسوق أو التطوع معهم في أشطة بالمسجد أو في جمعية خيرية. الأفكار عديدة ولكن الأفضل أن يستكشف الأب بنفسه ما يريد القيام به مع الأطفال عوضاً عن تكليفك له بهذا الأمر.
الطفل يستقي مفاهيمه عن عالمه كالإسفنجة في فترة صغره لذلك تقديم نموذج متزن من خلال دورك ودور أبيه لن يساعد فقط على خلق طفل سليم نفسياً وفعال كفرد عندما يكبر فيما بعد بل سيساعد على خلق أجيال وأجيال من الأباء والأمهات الأصحاء نفسياً والقائمين بدورهم بشكل فعال.
لا فض فوك يا إيلي
ReplyDelete