Sunday 7 May 2017

الدروس العظمى - الدرس الأول نشأة الكون والأرض


بالرغم من إتمام عاليا الست سنوات واستعدادها للبدء بمنهج المنتسوري للمرحلة الابتدائية (6-12عاما) وبالرغم من أنني قدمت لها بعض الدروس الخاصة بهذه المرحلة إلا أنني لم أقدم على تقديم الدروس العظمى غير اليوم. 

ليس لأنها غير مستعدة لتلك الدروس الأن لكن أعتقد شعوري بعدم الاستعداد شخصيا أو بأن هناك شيئا ما ناقصا في فهمي لكيفية تقديم الدروس هو ما أخرني لكن هذا الأسبوع وبعد عدة محاولات من عاليا أن تقوم ببحث بمفردها عن بعض الموضوعات التي تهمها وجدت أن تقديم الدروس الأن هو أفضل توقيت حتى يتسنى لها ربط هذه المعلومات بعضها ببعض وتستطيع أن تسلسلها بشكل منطقي في عقلها بدلا من أن تكون قطع متفرقة من أحجية غير مكتملة.

لكن أولا ما هي الدروس العظمى؟  



ماريا منتسوري صممت عدة دروس لأطفال المرحلة الابتدائية (أو الإعدادية لمتدربي كليات المنتسوري في أمريكا) وهي جزء أساسي في هذه المرحلة وهدفها هو إشعال مخيلة الطفل وفضوله عن العالم من حوله. هناك خمسة دروس عظمى يتم تقديمها كل عام في المرحلة الابتدائية بحيث يتعرض الطفل لهم أكثر من مرة هذه الدروس تساعد على رسم صورة واضحة لبعض المفاهيم الكبيرة أو المعقدة وتعد مدخلا لدراسة العلوم المختلفة. 


Let us give the child a vision of the whole universe…for all things are part of the universe, and are connected with each other to form one whole unity.” 

— Maria Montessori, To Educate the Human Potential 

"علينا أن نمد الطفل بتصور عن الكون ككل لأن كل الأشياء هي جزء من الكون ومرتبطة ببعضها البعض لتصبح وحدة واحدة" ماريا منتسوري

 الدروس العظمى تعد مدخلا يتناول من خلاله الطفل بعض الموضوعات التي يتم دراستها على مدى العام مثل الجغرافيا والتاريخ واللغة والرياضيات ويندرج تحت الدروس العظمى بعض الدروس الأخرى المفتاحية لتكون مدخلا لموضوعات أكثر تفصيلا مثل علم النبات وعلم الحيوان والفلك وهي تتألف من : 

الدرس الأول: نشأة الكون والأرض. 
الدرس الثاني: نشأة الحياة على الأرض. 
الدرس الثالث: نشأة الانسان على الأرض.  
الدرس الرابع: قصة اللغة وأساليب التواصل بين البشر 
الدرس الخامس: قصة الأرقام ونشأتها 

أول هذه الدروس العظمى يقدم عادة في أول يوم أو أسبوع في مدارس المنتسوري وهو عن نشأة الكون والأرض يتضمن هذا الدرس أيضا بعض التجارب العلمية باستخدام المواد الصلبة والسوائل لإظهار كيف اجتمعت القارات والمحيطات أولا.  

هذا الدرس يعد كمدخل لدراسة: 

علم الفلك: النظام الشمسي، النجوم، المجرات، المذنبات 
الأرصاد الجوية: الرياح، التيارات، والطقس ودورة المياه  
الكيمياء: حالات المادة، التفاعلات الكيميائية، العناصر، الذرات، الجدول الدوري 
الفيزياء: المغناطيسية، الكهرباء، الجاذبية، الطاقة، الضوء، الصوت، الحرارة 
الجيولوجيا: أنواع الصخور، المعادن، البراكين، الزلازل، العصور الجليدية 
الجغرافيا: الخرائط، تضاريس الأرض 

بعد بحث وقراءة لشهور قمت بترتيب الخامات والأدوات التي أحتاجها لإجراء التجارب العلمية خلال تقديم الدرس أو القصة وراجعت القصة أكثر من مرة حتى أتذكر ترتيب القصة مع الصور التي على عرضها أو التجربة التي على القيام بها حتى توضح قصة نشأة الكون بشكل أعمق. 

لقد استخدمت الصور التوضيحية من موقع keys of the universe لا شتراكي به لكن يمكن تحميل صور توضيحية مشابهة من هنا.





في دراستنا للأنبياء تعرضنا لقصة خلق سيدنا أدم وبشكل بسيط لقصة خلق الكون من منظور إسلامي لكن قبل تقديم درس اليوم أخبرت أطفالي أن قصة نشأة الكون التي سنناقشها اليوم هي ما يعتقد العلماء وأخر نظرياتهم عن الأمر لكن لأن لم يكن أحدنا موجودا حينها فما علينا إلا التخمين والبحث العلمي للوصول لحقيقة نشأة الكون والأرض. وما يلي هو ترجمة بتصرف لنص القصة التي نقلها ماريو عن والدته ماريا منتسوري. 

نص الدرس الأول (نشأة الكون والأرض أو البداية) 

في البداية، لم يكن هناك شيء. الناس لم تكن موجودة، لم تكن المدن موجودة، الحيوانات لم تكن موجودة، حتى الأرض نفسها لم تكن موجودة. لم يكن هناك أي شيء. لا نجوم، لا جبال، لا انهار، لا المحيطات، لا شيء. لم يكن هناك سوى فراغ هائل لم يكن له بداية ولا نهاية. كان هذا الفراغ شديد الظلام. حتى الظلام الذي نراه لدينا في أحلك ساعات الليل يبدو وكأنه نهارا. كان هذا الفراغ بارد جدا حتى أن الجليد يبدو دافئا بالنسبة له. 

وفجأة من نقطة صغيرة جدا في هذا الفراغ حدث انفجار هائل من الطاقة العظيمة (يمكن استخدام بالون أسود وفقعته عند هذه النقطة من القصة أو احداث صوت عال مثل التصفيق العالي فجأةالتي جلبت الكون كله إلى الوجود. هذه الطاقة الهائلة كانت شديدة الحرارة ورويدا رويدا بدأت جسيمات صغيرة في التشكل هذه الجسيمات كانت صغيرة جدا حتى أصغر بقع من الغبار تبدو كبيرة بجانبهم. ثم تكون الضوء كان ضوء أكبر مما يمكن أن نتصور وكانت الحرارة شديدة للغاية لدرجة أن  كل شيء حتى الحديد والذهب والصخور والمياه كانت موجودة كغازات. 

 كل هذه المواد، وجميع المواد التي تتكون منها الأرض والنجوم كانت منصهرة معا كشعلة من الضوء والحرارة ، حرارة تجعل من شمسنا اليوم وكأنها قطعة من الجليد. هذه الشعلة من الضوء والحرارة انتقلت في الفراغ الهائل  
أخذت الجسيمات في الانضمام الى بعضها العض شيئا فشيئا وتشكلت عناصر الهيدروجين والهليوم. وهذه العناصر ستحول قريبا هذا الكون إلى الكون الذي نعرفه الأنوعلى مدى ال 5 مليارات سنة التالية استمرت الجسيمات في الانضمام معا (تجربة الورق: قصاصات صغيرة من الورق يتم وضعها بالتدريج وببطء في وعاء زجاجي به ماء وملاحظة انضمام بعض القصاصات معا واندفاع بعضها الأخر بعيدا عن بعضها البعض) 



شاهد كيف تأتي بعض الجسيمات وتتحد معا وبعضها يهرب من بعضه العض هذا هو أول القوانين التي وضعت في الكون. ظهرت المجرات، وعندما اصطدمت، ولدت النجوم من الطاقة الهائلة المنبعثة من ذلك الاصطداموتكونت درب التبانة مجرتنا  فبها مائة مليار من النجوم وشمسنا هو نجم واحد فقط منهم. 

عندما ننظر في السماء نرى ملايين النجوم، ولكن كل نجم يمكننا أن نرى في مجرتنا الخاصة، درب التبانة. حتى النجوم من مجرتنا الخاصة بعيدة عن بعضها البعض حتى أنه يأخذ ضوء بعض النجوم ملايين السنين لتصل إلينا. 

هل تعرف ما هي سرعة انتقال الضوء؟ (مائة ميل؟ مائتي ميل؟ ألف ميل في الساعة؟) ينتقلالضوء 186،000 ميل في الثانية الواحدة. 

تخيل مدى سرعة ذلك! وهذا يعني أن الضوء الواحد يمكن أن ينتقل حول الأرض سبع مرات أو 25،000 ميل. تخيل أنه إذا قدنا سيارة حول الأرض بسرعة 100 ميل في الساعة دون التوقف بتاتا سوف يستغرق منا هذا  10 أيام و 10 ليال للانتقال حول الأرض سبع مرات. 

الضوء يفعل كل ذلك في ثانية واحدة فقطيمكنك أن تتخيل إلى أي مدى تبعد النجوم عن الأرض عندما يستغرق ضوء النجوم ملايين السنوات للوصول إلينا.  

ثم هناك الكثير من النجوم فلقد حسب العلماء أنه إذا كان كل واحد منهم حبة من الرمال، فإن جميع النجوم معا تغطي كامل ولاية إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية وتصل إلى ارتفاع 200 متر! واحدة من هذه النجوم، واحدة من هذه الحبوب من الرمل بين تلك الآلاف من المليارات من حبيبات الرمل، هي شمسنا، والجزء من المليون من هذه الحبوب هو أرضنا: بقعة غير مرئية من العدم. 


الشمس لا تبدو كبيرة جدا. ولكن هذا لأنها بعيدة جدا. فالضوء الذي يأتي منها يستغرق حوالي 8 دقائق للوصول إلينا، وإذا كنا لنسافر نفس المسافة في 100 ميلا في الساعة سوف يستغرق منا أكثر قليلا من 106 عاما للوصول إلى الشمس.

 في الواقع حجم الشمس أكبر من الأرض مليون مرة. الشمس كبيرة جدا حتى أن لهب واحد منها يمكن أن يحتوي على 22 أرضا. (عرض صورة الشمس ومقارنة حجمها بالأرض. في هذه الصورة الأرض نقطة في لهب من الهبة الشمس) 




واستمرت الجسيمات في البرود قليلا فقليلا والتشبث ببعضها البعض أكثر فأكثر وأخذت تحتل مساحة أصغر وبدأت الجسيمات في التشكل على ثلاث حالات تبعا لبرودتها :الحالة السائلة، الحالة الصلبة والحالة الغازية. (تجربة حالات المواد الثلاث وبها أحضرت ثلاثة من الأكواب الزجاجية ووضعت بواحدة ماء ولونته بالأزرق وبالأخرى ثلج وبالثالثة بخخت معطر هواء بها حتى يمكن للأطفال معرفة أن هناك غاز من خلال شمه ولكن لا نراه) 




كل ما نعرفه من مواد حولنا وأشياء هو إما غاز أو سائل أو صلب ولكن بما أن الجسيمات كانت مثل الأفراد المختلفين، فإنها لم تصبح صلبة أو سائلة أو غاز في نفس الوقت. في درجة حرارة معينة بقيت بعضها صلبة، والبعض الآخر أصبح سائل، والبعض الآخر أصبح غاز.

فالمواد والجسيمات الأثقل تنزل للأسفل والأخف وزنا ترتفع. الأثقل منها كانت أقرب إلى قلب الأرض، وأخذت الأخف وزنا فوقها كالزيت العائم على الماء. (تجربة ثقل وكثافة المواد وأحضرت بها 3 أكواب زجاجية وضعت بواحد منها ماء ولونته باللون الأزرق وبالأخر زيت ولونته بلون أحمر وبالثالث عسل وأحضرت كوب زجاجي أخر ثم ببطء صببت السوائل وشاهد الأطفال العسل يستقر في القاع والماء تليه ثم يطفو الزيت فوق الماء) 






نتيجة لهذه الرقصة، رقصة العناصر، الجسيمات التي كانت على الحافة الخارجية أصبحت باردة وتقلصت. تجمعوا معا وسارعوا إلى الأرض، ولكن بمجرد الاقتراب من الجزء الأكثر سخونة، فإنها أصبحت ساخنة وطارت الى أعلى ثانية وحتى ذهبوا مرة أخرى. ومثل الجنيات الصغار، يحملوا دلو من الفحم الحار الساخن إلى الفضاء، ويعودوا مع بعض الجليد إلى الأسفل. (صورة رقصة العناصر)


وبسبب هذا القانون تغيرت الأرض تدريجيا من كرة النار إلى الأرض التي نعرفها. هذا هو القانون الذي أطاعته الجسيمات الصغيرة لأنها رقصت رقصة العناصر تلك وبدأت تتشكل الأرض مثل الزبد الذي يشكل على الحليب عندما يغلي ويترك لتبرد. يبدو وكأن الأرض قد اتخذت بعض الشكل.


ولكن العناصر تحت هذا الزبد لا تزال ساخنة جدا فكانت العناصر تلك محاصرة وأرادوا الخروج. وفعلا خرجوا وانفجروا وأحدثوا ثقوبا في هذا الزبد (تجربة البركان وبه قمنا بتصميم هيكل بركان من الطين الأبيض وأحضرنا بيكربونات الصودا ووضعت بعض من الألوان البودرة باللون الأحمر عليها وخل وقمنا بتجربة الانفجار البركاني 




ثم تحولت المياه التي شكلت على السطح مباشرة إلى بخار وكان هناك رماد أيضا - رماد تسبب في حجب الأرض، وتغطيتها بحيث لا يمكن لأحد أن يرى ما يجري. حتى الشمس لم ترى التطور الحاصل في أرضنا الحبيبة حينها. (صورة البراكين وحجاب الرماد)


في النهاية توقفت البراكين عن الانفجار وبدأت العناصر بالبرود وبعض الغازات تحولت للحالة السائلة وبعض السوائل تحول للحالة الصلبة. الأرض نفسها انكمشت وسطحها أصبح مثل التفاحة القديمة التي تركت في الخزانة ملئ بالتجاعيد  فالتجاعيد هي الجبال والجوف هي المحيطات. 

وعندما هدأت البراكين كان الماء قادرا على العودة إلى الأرض - وامطرت وامطرت و غطت المياه كل جوف وشق وجدته في طريقها وهكذا تشكلت المحيطات. واستقر فوقها الهواء الذي نتنفس و السحابة  أو الحجاب من الرماد اختفى (صورة البراكين والمياه)



وبعد انقشاع الحجاب الذي كان يغطي الأرض واستطاعت الشمس أن تبتسم لابنتها الجميلة، الأرض. 


بعد انتهاء الدرس أو القصة قمنا بإعادة بعض التجارب عاليا فضلت القيام بتجربة قصاصات الورق والماء وكريم بالرغم من أنه قام بتجربة البركان مرات عديدة من قبل لكنه مولع بها وأخذ بإعادة التجربة مرار وتكرارا ووضع يده فوق فوهة البركان ويقول (هذا ساخن لقد ساح اصبعي من الحرارة) 

قرأنا في عدة كتب لدينا وأخرى استعرتها من المكتبة مسبقا عن نظرية الانفجار الهائل وعن مكونات الأرض وطلبت منهم أن يذكروا لي أي أسئلة تجول بخاطرهم ومن خلال أسئلتهم يكون استكشافنا في الأسابيع القادمة قبل الانتقال للدرس الثاني عن نشأة الحياة. 


x