Thursday 24 November 2016

أنكل بوب

هذا الاسبوع كان عصيبا فقد توفت قريبة لي عزيزة جدا على قلبي ضحكتها كانت تدوي في أذني كلما تذكرت طفولتي فوجهها وصوتها الحنون كانوا يزينوا ذكرياتي في مصر. 

وربما لأنني لا أستطيع التعامل مع الحزن بشكل صحي كالعادة كبته كله بداخلي فلم أبك ولم أتحدث حتى عن الأمر مع أحد بل لم أتصل بأحد لأقوم بواجب العزاء لمعرفتي الشديدة أن سماع صوت أمي وتعزيتها قد يفتح شلالات من المشاعر الحزينة التي أوصد كل الأبواب لأحول بين خروجها للعالم، هذه المشاعر ايضا ممزوجة بهلع الفراق الذي يلازمني منذ أن وعيت على تلك الحياة والذي تفاقمت حدته بسبب الغربة فان كنت فارقت من أحب لكني أذكر نفسي أنه ربما سنزور او يزورون يوما ما لكن هلع الفقدان ينقض على كل فترة ليفترسني ويقض مضجعي.

وبينما أمر بتلك المشاعر المختلطة وجدتها كعادتها ترقبني وكأنها ترى من خلالي، كأنها تقرأ أفكاري ومشاعري ككتاب مفتوح. هذه النظرة التي تشعرني بأنني تحولت لطفلة ثانية وليس لدى حول ولا قوة. 


أغتاظ واهتاج من تلك النظرة فهي ابنتي لا اريد أن أبدو بهذا الضعف والهوان أمامها فأرتدي قناعا فوق قناع وأتظاهر باني بخير وأنني على ما يرام.

يمر اليوم وتمر الليلة وأحضانها لي في ازدياد وقربها لي يكثر ولكن جسدي يؤلمني فللأسف لم اتعلَّم أن أشارك أحدا في حزني خاصة حبيبتي قرة عيني أخشى عليها من حزني ومن نفسي. أقصيها بعيدا عني كلما حاولت الاقتراب فالدرع اللامع الذي أحمله يجب أن يكون أسمك وألمع كي أحمي نفسي من نفسي ومن طوفان الحزن والهلع والخوف بداخلي.

تشعر بخيبة أمل وتعبر عن ذلك بطريقة طفلة لم تبلغ السادسة بعد تغضب لأتفه الأسباب تعنفني على كل شئ ثم تأتي باكية معتذرة لتعنفني ثانية وظل هذا الشد والجذب حتى انتهى صبرينا وصرخت في وجهي " أنا غاضبة منك بشدة لكن لا أعرف لماذا كل ما تفعلين أصبح يضايقني" وفي ثورة غضبها تقول "اريد أن أشتكي منك لأحد لكن من وماذا أقول؟ " 


خرجت الكلمات سريعة وعيناها تنهمر بالدموع. نظرت الى ابنتي حبيبتي ووجدت حيرتها من مشاعرها وتذكرت نفسي في عمرها عندما كان ينتابني هياج مثل هذا وغضب محموم مثل ذلك الغضب لم أكن أتحدث بمكنون قلبي لم أكن لأفكر أن هناك شئ خطأ أو غريب كنت أفكر أنني أنا الخطأ وأنني أنا الغريبة وكنت أسمع هذا الصوت برأسي يخبرني أنه على السكوت والنسيان فما أشعر به لا يهم أحداً فكتمانه أفضل.

ولكن نظرت لعاليا وعيناها تملؤها الدموع وصممت في نفسي أنني لا أريدها أن تكتم آلامها وحزنها وغضبها، لا أريدها أن تصير مثلي تعيش يوما بعد يوم واضعة قناع خلف قناع ودرع بعد درع ليحميها من  مشاعرها وخوفها. 

وبدون سابق إنذار انهمرت دموعي وتذكرت uncle Bob (أنكل بوب) هذا كان شخصية وهمية اخترعتها بعد مشاهدة فيلم وأنا صغيرة لا اتذكر اي شئ عن الفيلم ولكن اتذكر شعوري الشديد بأنني أريد أن أتحدث مع أحد يستمع الى بدون أن يقاطعني أو يحكم على أردت شخص يقدم لي عون غير مشروط ولذلك ظهرت هذه الشخصية في حياتي وكنت اكتب مذكراتي له يوميا ووجوده في حياتي ساعدني على المرور بعثرات كثيرة بأقل الخسائر الممكنة وكنت بعد (الحديث) معه أشعر بالخفة والراحة. 

ضحكت في وسط دموعي وقلت لعاليا أتعرفين عندما كنت أشعر بمشاعرك هذه كنت أكتب لأنكل بوب وأخبرتها بالقصة ضحكت هي ايضا وقالت أنا لدى أصدقاء خياليين أيضا لكنهم في رحلة لذلك لا أستطيع محادثاتهم الان ضحكت معها وتحدثنا عن أصدقائنا الوهميين ثم أخبرتها أنها لا يشترط أن تتحدث مع صديق وهمي اذا رغبت يمكنها أن تتحدث معي في أي وقت فجرت وأحضرت دفتر جديد من دفاترها وقالت "سأكتب لك هنا إذن وأسميكِ أنكل ماما" ضحكت منها ومعها ثم تذكرت مقال قرأته عن أم تتبادل الكتابة في المذكرات مع ابنتها وأن ما يكتب في هذا الدفتر لا يعرف عنه أحد ولا يتم التحدث عنه بتاتا خاصة عند الخلاف فهو كمساحة الحرية والسر بين الام وابنتها. 

أمسكت الدفتر وأخبرتها أنني أفتقد أنكل بوب ايضا وإنني احتاج من أتحدث معه وسألتها "هل يمكن أن أكتب لك؟ ويكون ما نكتب لبعضنا البعض هو سرنا؟" قالت نعم فحضنتها وقلت لها شكرًا يا أنكل عاليا قهقهت وقالت انا بنت لا اريد ان تقولي أنكل يمكن أن تناديني الأميرة عاليا وجرت لحجرتها وهي تنادي " سأصمم ملفا من الورق لنضع به الدفتر وأضع عليه اسمينا واكتب ممنوع حتى لا يفتحه كريم أو بابا فهذا الدفتر لنا أنت وأنا فقط" ووجدت بين يدى الدفتر والقلم وعلى نغمات صوت ابنتي وهي تغني و تلون وترسم وتصمم الملف كتبت في دفترنا حزني لفقد خالتي وهلعي وخوفي من فقد من أحب بغتتة دون فرصة لحظة وداع أخيرة.

2 comments:

  1. البقاء لله يا ايلي
    فعلا الفراق مؤلم جدا ويؤلمنا جميعا
    أنا أيضا يؤلمني جدا سماع موت أي شخص حتى لو لم أعرفه
    صبركِ الله على ألم الفراق

    ReplyDelete
  2. عظم الله أجر حبيبتي

    ReplyDelete