نعيش في عصر السرعة فالطعام أصبح "سريعا" فبمجرد ضغطة على زر يصل إلينا دون عناء، التواصل الإجتماعي أصبح سريعاً وحتى التعلم نريده سريعا دون أدنى مجهود أو عناء فالشيخ جوجل يوفر لنا البيانات في أقل من ثانية.
ولكن هذه السرعة تَخلِق ضغطا رهيبا علينا كبشر لمواكبة هذه السرعة ونفس الأمر يحدث مع التربية ومع التعليم نريد مواكبة كل جديد وأحيانا نتفادى محطات مهمة في حياة أطفالنا ونتجاهلها حتى نلحق بهذا السباق المحموم.
كثيرا ما أتلقى تساؤلات لأمهات لأطفال دون الرابعة يسألون عن التعليم الأكاديمي لأطفالهن ولأنشطة تساعدهم على القراءة والكتابة ويقولون أن طفلهم متأخرا اذا لم يكن يبدي اهتمام بالقراءة والرياضيات وأحزن وأشعر بقبضة قلب لأن تلك الأمهات للأسف تريد اللحاق بهذا السباق المسعور.
أول ثلاث لأربع سنوات مهمة جدا في تنمية عضلات طفلك الصغيرة والكبيرة وهي مهمة جدا في تنمية الذكاء الانفعالي والعاطفي لدى طفلك فلا تضيعي هذه المرحلة الذهبية في البحث وراء القراءة والكتابة. سيقرأ طفلك ويكتب في وقته فكما تعلم المشي والكلام في وقت محدد كتبه الله له دون أي مساعدة منك فسيتعلم العلم الأكاديمي في وقته جل ما عليك فعله هو أن توفري بيئة حب وتشجيع وأن لا تكوني أنت عائقا أمام حبه للتعلم.
أوافقك بأن التعليم المبكر هام ولكن اذا قدمناه دون استعداد من الطفل ودون تثبيت أركان شخصية الطفل واعتماده على نفسه فبذلك يصبح التعليم المبكر عائقا وليس سبيلا ميسراً.
طفلك اذا لم يقرأ بحلول الثالثة والرابعة بل والسادسة هو طفل طبيعي وليس متأخراً فالأطفال تختلف قدراتهم العقلية كما تختلف قدراتهم الجسمانية والفنية والاجتماعية وإذا أردت أن تنمي عند طفلك حب العلم فترفقي بنفسك وبطفلك ولا تنضمي لهذا السباق المحموم الذي سيتسبب في ضغط عليك وعلى من حولك وأولهم طفلك.
أعرف انك تواجهين ضغوطا من المجتمع ككل لتلقين طفلك كل المفاهيم التي قد يكون غير مستعد لها الآن خاصة واذا تحدثت بنيتك عن التعليم المنزلي مع من حولك فالضغط يتضاعف لأنه ربما زوجك أو بعض أفراد العائلة لا يرحبون بالفكرة وتحاولين أن تثبتي لهم وربما لنفسك أنك تستطيعين القيام بهذه الخطوة من خلال المزيد والمزيد من التركيز على الجانب الأكاديمي. قد يكون الأمر تخوفك من هذه المسئولية وشعورك بأنك عليك أن تحددي الأن و "تجربي" في طفلك قبل بدء وقت المدرسة الإجباري.
الأمر متعب أعرف فقد عانيته عندما قررت أن تخرج ابنتي من الروضة بعد بقاؤها ٣ أشهر وكان من حولي يثنوني وقررت حينها أن تتعلم في المنزل وأن نركز على الحياة العملية والجوانب الحسية فقط ولا نلقى للعلم الأكاديمي بالاً، فكنا نقرأ ونرسم ونطبخ ونرتب المنزل ونخرج للحدائق والغابات والمتاحف والمكتبات سوياً ووجدت تحول مفاجئ في بعض الشخصيات من حولي من يذهب أطفالهن الى الروضة والمدرسة وتعليقات بعض منهن حول ذكاء أطفالهن اللذين يحفظن الألف باء ويقومون بكتابة أسمائهن ويقومون بهذا وبذاك وفي نفس الوقت امتعاض منهن وتعليقات أن ابنتي قد تعاني اذا ما استمريت في ما افعله.
كان القرار صعبا حينها عندما نحيت أدوات الرياضيات واللغة جانبا والخروج من حلبة السباق المحموم تلك وأحيانا كنت أود أن أشرح لهن أن الوقت سيأتي ولكن الأن يوجد ما هو الأهم من القراءة والكتابة والرياضيات وقراءة الساعة وكل تلك الأشياء لكنني كنت على علم أن ما سأقوله سيقع على أذن غير مهتمة بالأمر وغير صاغية.
لماذا تتعلم ابنتي القراءة؟ القراءة وسيلة وليست غاية فإذا كان جل اهتمامك منصب على الوسيلة اذن فالغاية ستضيع من أمام عينيك.
عام كامل لم أقم بنشاط واحد عن الرياضيات والحروف كل ما كنا نقوم به هو صقل مهارات الحياة والألعاب اللغوية مثل لعبة ذهبت الى السوق التي ذكرتها هنا بشكل مرح وشيق.
بتمام ابنتي الرابعة وبدون أي مقدمات وجدتها تسأل عن أدوات دراستها ووجدتها تمسك كتابا وتقرأ أولى كلماتها وأنا أقف فارغة الفاه وأتسائل كيف حدث هذا أنا لم أفعل شئ أنا لم أعلمها شئ. هي ببساطة عندما حان الوقت علمت نفسها لأنها هي ككل طفل أعطاها الله القدرة والإستعداد على تعليم ذاتها إذا توافرت البيئة المشجعة على ذلك.
زارني الشك كثيرا وكنت أشعر أحيانا بأنني أضيع حياة ابنتي وكان هذا الصوت الصغير في رأسي دائما يقول ( ماذا دهاك ستفشل ابنتك؟ كل الأطفال حولها يكتبون أسمائهم الكل حولها يعدون إلى المائة ماذا سيفيدها ساعات الرسم أو البقاء في الطبيعة أو القراءة لساعات سويا ناهيك عن خبز الخبز سويا ستفشل ابنتك حتما ولن تستطيع اللحاق بهم) لكن كنت اُصمت هذا الصوت وفعلا أرى الآن ثمرة الانتظار في ابنة شغوفة بالعلم وتحب التعلم وترى فيه وسيلة لفهم العالم من حولها وليس غاية وهؤلاء من كانت حولهم يسبقونها سبقتهم بمراحل بل تأتي الى بعض امهاتهم يشتكين من كره أطفالهن الآن للقراءة والرياضيات.
اذا اتخذنا مثال شجرة الخيزران فهي إذا زرعتها وففرت لها بيئة جيدة من تربة خصبة وماء وشمس وانتظرت عاماً لن تجدي شيئا وعامان وثلاثة وأربعة ولكن بحلول العام الخامس تنمو وتكبر الشجرة ل 80 قدماً في ستة أسابيع فقط، تخيلي المزارع الذي زرع هذه الشجرة إذا يئس بعد ثلاثة أعوام وقال هي متأخرة سأضع سماداً أكثر أو ماء أكثر فانه بذلك قد يقضي على النبتة كذلك طفلك يأخذ وقتا لتنمية كل جانب من جوانب شخصيته فلا تتعجلي جانب على حساب جانباً أخراً.
فهذه مني دعوة لك للترفق بطفلك وبنفسك وخلع حذاء الجري والخروج من حلبة السباق المحمومة تلك والبدء في الإستمتاع بطفلك والتريث فستمر سنوات عمره كلحظات أمام عينيك ولن يتذكر كم كان عمره عندما قرأ أول كلمة أو حل أول مسألة حسابية بل سيتذكر كم مرة وثقت به وأعطيته الإحساس بالأمان وبأنه مختلف وأنك تتقبليه كله على ما هو عليه و بكل ما فيه.
مقال رائع..جزاكى الله خيرا
ReplyDeleteجزيت خيراً ...المقال المناسب في الوقت المناسب ..بعد شهر سيتم ابني عامه الثالث وكنت في غاية القلق والاستعداد والتأهب للبدء في السباق المحموم....استمري ايلي في الندوين فنحن نتابع ..افادك الله ونفع بك :)
ReplyDeleteNice post thanks foor sharing
ReplyDelete